_ كلمة عن الأخلاق و التربية .. كيف نربي أبناءنا ؟؟؟ مقالة رائعة عن أخلاق الشباب ..
البــــــــــكاء المــــــزيف ..
بقلم / محمد واعــر اللحــــامي...
ذهبت أمس لتأدية واجب اجتماعي عند أحد المقربين لي في مناسبة خاصة ، و بدأ الحديث العام في أحوال البشر يتساقط من الأفواه كأوراق الشجر في فصل الخريف .... و لمّا علموا أنني علي درجة من العلم و الثقافة تسابقوا لإسماعي ، و كلٌ يُدلي برأيه الفذ العبقري المنقطع النظير ؛ وظننت نفسي أصلي الجُمعة ، و كل مَن حولي خطباء ، وأنا المتلقي لوعظهم الوحيد ، وأنا أسمع وأسمع ...
وكان حديثهم عن أخلاق الشباب الفاسد سلوكُها ، المفقود إصلاحُها ، والتي لم تعد محط إعجاب لأيٍّ من الجالسين ، مع تحميل الشباب السهم الأكبر في فساد أخلاقهم كما لو كان الشباب قد رَبُّوا أنفسهم بأنفسهم ، و مع مقارنة بسيطة بين قديم الخُلُق و حديثه .. و مع مصٍّ للشفاه ... و حدثت المفاجأة التي أذهلت الجميع .. بكاءُ أبٍ قد تجاوز العقد الخامس في مسابقة العمر المنقضي ... وطَرَحَ السؤالُ نفسَه فورًا دون استئذان : ما يبكيك يااااااا عمُّ ؟!
قال الرجل و هو يلملم عباراته الذائبة علي شفتيه من عَبراته : ابني ، ثم سكت ، ثم زفر زفرة ً .. وقال متألمًا : ابني الذي وهبته شبابي جاهدًا في
إسعاده ، ومنحته مالي مُسخَّرًا لتحقيق آماله ، أهدهده صغيرًا ، وأقربه صبيًا ، أصاحبه شابًا . أعطيته الحياة بكل ما تَعني الكلمة في معاني الحياة .. فتمتع بأبهي و أجمل ملبوس و تلذذ بكل ما تشتهيه النفوس ... أعطيته كل ما أملك إلا شيئًا واحدًا ...... ثم سكت ! ! فتشابكت عيون الجالسين تحدق فيه تحديق المفزوع ، و أمَلَ البعيد من مجلسه أن يقترب منه زحفًا لحظة السكوت ، وزفرات الحضور تتأوه جهرًا و سرًا ، و أجمع لسان المجلس علي جملةٍ واحدةٍ تلفظها العين قبل اللسان وتتسابق حروفها ..... تقول : شيئًا واحدًا ؛ ما هو ياااااااا عمُّ ؟!رفع الرجل المسكين رأسه من خفضٍ مثل طفل يرفع راحة قدمه عند أول خُطوة يتعلمُ بها السيْر ، وتعثرت الحروف في حلقه ؛ و هو يقول : الأخلاق ، الأخلاق... ثم سكت برهةً ، ثم نطق تقع من منحدر فمه الكلمات : لم أُربِّه متخلقًا بالآداب ، وفوق ذلك - وأنا الأب الراعي - دعمتُ فيه الرذيلة ، و أمتُ فيه الفضيلة ، والآن الآن ، أجني أشواك وردتي وفاسد ثمرتي . أحصدها أخلاقًا سيئةً توجهت إليَّ كبيرًا بعد أن وجهتها له صغيرًا ... وانهمر في البكاء ..
فقلت أنا : الأبناء صنيعة الأباء ، وكل إناءٍ بما فيه ينضح ، وكل أبٍ فسدت زرعته لا يلومنَّ إلا نفسه . فأنت أيها الراعي المربي من وضعت البذور فمن وضعها قبحًا أبدًا لن يجنيَ جمالًا..ثم قفوا لحظة ، وأجيبوا ،، لماذا دائمًا نلوم الشباب علي أخلاقٍ غُرست فيهم من قِبَلنا نحن الأباء ؟يا معشر الأباء أفيقوا من غيبوبة قذف التهم عن محرابكم المقدس لإلصاقها بأبنائكم ، وخذوا بأسباب التربية الحميدة فقط ، واستحضروا النوايا المخلصة لله في أبنائكم و مجتمعكم ، ولا تبكوا بكاء مزيفًا - وإن كان صدقًا - علي حصادٍ فاسدٍ أنتم من أهملتموه . أما تروْن بأم أعينكم أنَّ من الناس من يتعهد حيوانًا متوحشًا بالتربية والمران ثم يخلق منه نسخًا مطيعًا أليفًا وديعًا ؛ وهذا حيوان . فما بالكم بالإنسان .. فملخص نفع الثمرة وإنجاح المقدمات لها ..
إنما هو التربية بالمبدأ والإخلاص والإتقان ...وذاك ما جعل الحيوان يسلك سلوك الإنسان طاعةً وأُلفةً وانسجامًا ..
تحياااااااتي
أ / محمد واعر اللحامي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق