قَصيْدَةُ لَيْسَ الغَريبُ ،، لزين العابدين بن علي .
لَيْسَ الغَريبُ غَريبَ الشَّـــــامِ واليَمَنِِ *** إِنَّ الغَريبَ غَريبُ اللَّحـــــدِ والكَفَنِ
إِنَّ الغَـــــريِبَ لَــــــــهُ حَقٌّ لِغُرْبَتِهِ *** على الْمُقيمينَ في الأَوطــــانِ والسَّكَنِ
لا تَنْهَــــــــرنَّ غريبـــاً حَالَ غُربتهِ *** الدَّهْــرُ يَنْهْـــــرُه بالذُّلِ و المِــحَــــنِ
ِسَفَــــــري بَعيدٌ وَزادي لَـــنْ يُبَلِّغَني *** وَقُوَّتي ضَــعُفَتْ والمــوتُ يَطلُبُنـــــي
وَ لي بَقايــا ذُنوبٍ لَسْـــتُ أَعْلَمُهـــــا *** الله يَعْلَمُهـــــــا في السِّرِ و العَلَـــــنِ
مَا أَحْلَـــمَ اللهَ عَني حَيْثُ أَمْهَـــــلَني*** وقَــــدْ تَمـــــادَيْتُ في ذَنْبي ويَسْتُرُنِي
تَمُـــرُّ ســــاعاتُ أَيَّــــــامي بلا نَدَم *** و لا بُكاءٍ وَ لاخَـــــــــوْفٍ و لا حـَزَنِ
أَنَا الَّذِي أُغْـــــلِقُ الأَبْوابَ مُجْتَهِـــداً *** عَلى المعاصِي وَعَيْنُ اللهِ تَنْظُـــرُنـــــي
يَـــــــا زَلَّةً كُتِبَتْ في غَفْــلَةٍ ذَهَبَتْ *** يَـــــا حَسْرَةً بَقِيَتْ في القَلــبِ تُحْرِقُني
دَعْــني أَنُـــوحُ عَلى نَفْـــسي وَأَنْدِبُها *** وَأَقْــطَعُ الدَّهْرَ بالتَّذْكِيـــــــرِ وَالحَزَنِ
دَعْ عَنْكَ عَذلي يَــــا مَنْ كان يَعْذِلُني *** لَوْ كُنْتَ تَعْـــلَمُ مَـــا بي كُنْت تَعْذُرُني
دَعْني أَسِـــحُّ دُمُــــوعاً لا انْقِطَاعَ لَهَا *** فَهَـلْ عَسَــــى عَبْرَةٌ مِنْهَا تُخَلِّـــصُني
كَأَنَّني بَينَ جـــل الأَهلِ مُنطَرِحَــــــاً *** عَلى الفِـــراشِ وَ أَيْديهِــــــــمْ تُقَلِّبُني
وقد تجمَّـــــــعَ حَوْلي مَنْ يَنُوحُ ومَنْ *** يَـبْكِي عَلَيَّ ويَنْعَــــاني وَيَنْــــــــدُبُني
وَقـــد أَتَـــوْا بطَبيــــبٍ كَيْ يُعالِجَني *** وَلَمْ أَرَ الطِّبَّ هـذا اليَـــــــــومَ يَنْفَعُني
واشَتــدَّ نَزْعِي وَصَار المَـــوتُ يَجْذِبُها *** مِن كُلِّ عِــــــرْقٍ بلا رِفـــقٍ ولا هَوَنِ
واستَخْرَجَ الرُّوحَ مِني في تَغَرْغُــــرِها *** وصَــــارَ رِيـــقي مَريـراً حِينَ غَرْغَرَني
وَغَمَّضُـــوني وَراحَ الكُلُّ وانْصَرَفـــوا *** بَعْدَ الإِيــــــاسِ وَجَدُّوا في شِرَا الكَفَنِ
وَقــــامَ مَنْ كانَ حِبَّ النّاسِ في عَجَلٍ *** نَحْـــوَ المُغَسِّــلِ يَأْتينـــي يُغَسِّلُنــي
وَقــالَ يا قَوْمِ نَبْغِي غاسِـــلاً حَذِقـــاً *** حُرَّاً أَرِيباً لَبِيبــــاً عَارِفـــــاً فَطِـــنِ
فَجـــاءَني رَجُــــــــلٌ مِنْهُمْ فَجَرَّدَني *** مِنَ الثِّيــــــابِ وَأَعْـــــرَاني وأَفْرَدَني
وَأَوْدَعـــوني عَلى الأَلْواحِ مُنْطَرِحــــــاً *** وَصَـــــارَ فوْقي خَرِيـــرُ الماءِ يَنْظِفُني
وَأَسْــكَبَ الماءَ مِنْ فوقي وَغَسَّـــــلَني *** غُسْلاً ثَلاثاً وَنَادَى القَــوْمَ بالكَفَـــنِ
وَ أَلْبَسُوني ثِيـــاباً لا كِمـــامَ لهــــــا *** وَ صارَ زَادي حَنُوطِي حيــــنَ حَنَّطَني
و أَخْرَجـــوني مِنَ الدُّنيا فوا أَسَفــــــاه *** عَلى رَحِيــــــلٍ بلا زادٍ يُبَلِّغُنـــــي
وَحَمَّلـــــوني على الأْكتـــــافِ أَربَعَةٌ *** مِنَ الرِّجـــالِ وَخَلْــفِي مَـــنْ يُشَيِّعُني
وَقَدَّمـــوني إِلى المحــــرابِ وانصَرَفوا *** خَلْفَ الإِمَــــامِ فَصَـــلَّى ثـمّ وَدَّعَني
صَلَّـــــوْا عَلَيَّ صَلاةً لا رُكوعَ لهــــا *** و لا سُجـــــودَ لَعَـــلَّ اللـــهَ يَرْحَمُني
وَ أَنْزَلــوني إلـــــى قَبري على مَهَـــلٍ *** وَ قَدَّمُوا واحِـــداً مِنهــــم يُلَحِّدُنـي
وَكَشَّفَ الثّوْبَ عَن وَجْهي لِيَنْظُــــرَني *** وَأَسْبـــل الدَّمْـــعَ مِنْ عَيْنيهِ أَغْرَقَني
فَقامَ مُحتَرِمــــاً بالعَـــزمِ مُشْتَمِـــلاً *** وَصَفَّفَ اللَّبنَ مِنْ فَوْقِي و فــــــارَقَني
وقَالَ هُلُّـــــوا عليه التُّرْبَ واغْتَنِمواِ *** حُسْـــنَ الثَّوابِ مِنَ الرَّحمنِ ذِي المِنَنِ
في ظُلْــــمَةِ القبرِ لا أُمٌّ هنــــاك و لا *** أَبٌ شَفـــــــيقٌ و لا أَخٌ يُؤَنِّسُـــــني
وَهَالَـــني صُورَةْ في العَين إذ نَظَــرَتْ *** مِنْ هَوْلِ مطلع مــــا قَدْ كَانَ أَدْهَشَني
مِنْ مُنكَرٍ و نكيرٍ مــــا أَقـــولُ لهم *** قَدْ هـَـــــالَني أَمْـــرُهُمْ جِداً فَأَفْزَعَني
وَأَقْعَدوني وَجَدُّوا في سُـــؤالِهِــــــمُ *** مَـــالِي سِـــوَاكَ إِلهـــي مَنْ يُخَلِّصُنِي
فَامْنُنْ عَلَيَّ بعَفْوٍ مِنك يـــــــــا أَمَليِ *** فَإِنَّني مُوثَـــقٌ بالذَّنْبِ مُرْتَهَـــــــنِ
تَقاسمَ الأهْلُ مالي بعــــدما انْصَرَفُوا *** وَصَـــارَ وِزْرِي عَلى ظَهْـــرِي فَأَثْقَلَني
واستَبْدَلَتْ زَوجَتي بَعْلاً لهـــــا بَدَلي *** وَ حَكَّمَتْهُ على الأَمْوَالِ و السَّـــكَــــنِ
وَ صَيَّرَتْ وَلَدي عَبْداً لِيَخْدُمَهـــــــا *** وَ صَارَ مَـــالي لهم حـِلاً بــــــلا ثَمَنِ
فَلا تَغُرَّنَّكَ الدُّنْيــــــــا وَ زِينَتُهـــا *** وانْظُـــرْ إلى فِعْلِهــا في الأَهْلِ والوَطَنِ
وانْظُرْ إِلى مَنْ حَوَى الدُّنْـــيا بأَجْمَعِها *** هَلْ رَاحَ مِنْها بغَيْرِ الحَنْطِ والكَـــــفَنِ
خُذِ القَنـَـــاعَةَ مِنْ دُنْيَاك و ارْضَ بها *** لو لـــم يَكُن لك إلا رَاحَةُ البـــدن
يَــــــا زَارِعَ الخَيْرِ تحصُدْ بَعْدَهُ ثَمَراً *** يَــــــا زَارِعَ الشَّرِّ مَوْقوفٌ عَلَى الوَهَنِ
يا نَفْسُ كُفِّي عَنِ العِصْيانِ واكْتَسِبِي *** فِـــعْلاً جميــلاً لَـــــعَلَّ اللهَ يَرحَمُني
يَا نَفْـــسُ وَيْحَكِ تُوبي واعمَلِي حَسَناً *** عَسى تُجازَيْنَ بَعْدَ الموتِ بالحَسَـــــنِ
ثمَّ الصَّلاةُ على الْمُختــــــارِ سَيِّدِنـا *** مَا وَضَّــــأ البَرْقَ في شَّــــامٍ وفي يَمَنِ
و الحمدُ لله مُمْسِينَـــــــا وَ مُصْبحِنَا *** بالخَيْرِ و العَفْوْ والإِحْســــــانِ وَالمِنَنِ
من مختارات الأستاذ /
محمد واعر اللحامي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق